
يقولون كان كذا يوم الثلجة و يوم الهزة و كان كذا يوم الثورة السادسة او العاشرة و حدث كذا يوم استشهد فلان أو جرح علان.
أنا زرت البحر أخر مرة قبل أول انتفاضة في حياتي و بعد الثلجة الثانية و كنت صغيرا و للبحر على الصغار تأثير سحري خاصة إذا كانوا مثلي و كان البحر مثل بحرنا.
البحر بعيد عني عشرة أميال إلى الغرب، و ثمان و خمسين سنة إلى الوراء. بيني و بين البحر سهل واحد و جبلان. و ألف حاجز و ألف بندقية و شعب لا افهم لغته و لا يفهم لغتي و مئات الثورات و الحروب و الزعماء و المفاوضات. بيني و بين البحر عشر قرى ما زال فيها ضحكات أطفال. و خمس مئة قرية مدمرة و عشرون مخيما و جدار.
البحر موجود و أنا متأكد من ذلك، تأتيني منه نسائم و نوارس، تتكسر النسائم على الشرفات المفتوحة على الغرب و الجراح و ترحل النوارس إلى الشمال في الشتاء. أما أنا فلا احد يأخذني إلى البحر.
منذ سنة لم تعد تأتينا نسائم و لا نوارس فهم قد بنوا جدارا عالياً بيني و بين البحر، ولكني أستطيع إذا ما صعدت الى أعلى جبل في القرية أن أشم رائحة البحر، او ما اعتقد أنها رائحة البحر.
مرة طلعت الى الجبل لأشم رائحة البحر و كانت السماء صافية جداً و رأيت عند الغروب شيء يلمع و قال لي رجل كان هناك إن هذا هو البحر و ما كنت لأصدق لولا أن هذا الرجل كان درويشا يعيش في الجبال كل وقته و هو عارف بأمر الجبال و اللمعان و كثير من الأسرار الاخرى. و كنت أتساءل لماذا يعيش هذا الرجل في صومعته على قمة الجبل بعيداً عن البشر. أمثلي عاشق للبحر هو؟ لقد كنت اغبطه على أية حال لأنه يعيش في هواء البحر و يرى لمعانه كل غروب.
بعد الانتفاضة الثانية بنوا مستوطنة على الجبل و صاروا يطلقون النار على كل من يصعد إلى الجبل ليشم رائحة البحر او يرعى الغنم او يجمع الزعتر. و لم اعد أشم رائحة البحر.
أريد ان اذهب الى البحر، الملح يتعطش في دمي و قدماي تنمنمان، أريد أن امشي على الرمل و أن اسبح، هل سيكون ماؤه دافئ أم بارداً ، لا اذكر لكني اذكر بعض التفاصيل، ذلك الزبد الابيض، الصدفات العادية التي لا يكترث لها احد و اعتبرها أنا كنزاً، الرمل المبلل، و رائحة البحر – يا لرائحة البحر! وذلك الحزن المتوحش يفيض من البحر و يغسلني و ينتشر في كل مكان، ثم ذلك الشعور بالفقدان. ظلال رائحة ازهار برتقال، لم يعد هناك برتقال لكني كنت أشمها. و من البحر يخرج ألاف الأشباح لأناس يحملون أمتعتهم و ملابسهم و يرحلون من البحر الى اللامكان.
كان البحر يحزنني لكني كنت اذهب اليه. قال لي احدهم انه يشعر بالذنب إذ يذهب الى البحر مستمتعا به و لذا ما عاد يذهب. لكني أنا سوف اذهب الى البحر ... و احزن.
و لكن كيف السبيل، الجدار عال و الجنود متربصون.
ربما بعد هذه الانتفاضة ، ربما يكون سلاما يوما ما، ربما احفر نفقا تحت الجدار كما يفعلون في غزة، لكن الأرض هنا صخرية ليست كرمال غزة و أنا وحدي لن أجد من يشاركني في حفر نفق من اجل البحر!
حتى ذلك الوقت سأرسم بحرا على الجدار بزبد و أصداف عادية و رمل مبلل، ربما ارسم أيضا جبلا تفوح عليه رائحة البحر
.
لكن علي أن أجد مكاناً فارغاً على الجدار لأرسم عليه، فرغم أن الرسم على الجدار عمل خطر و أنت معرض لإطلاق النار من الجنود، إلا انك لا تجد مكانا فارغا عليه فقد رسم الناس كلهم – الأطفال و الكبار و الشيوخ – عليه كل شيء. السماء و الزهور و الحرية و الأشجار و الوديان و صور لأشخاص ذهبوا. رسموا كل شئ أحبوه خلف الجدار، و أنا أحب البحر و لابد أن أجد متسعا لرسم البحر على الجدار.
لكن علي أن أجد مكاناً فارغاً على الجدار لأرسم عليه، فرغم أن الرسم على الجدار عمل خطر و أنت معرض لإطلاق النار من الجنود، إلا انك لا تجد مكانا فارغا عليه فقد رسم الناس كلهم – الأطفال و الكبار و الشيوخ – عليه كل شيء. السماء و الزهور و الحرية و الأشجار و الوديان و صور لأشخاص ذهبوا. رسموا كل شئ أحبوه خلف الجدار، و أنا أحب البحر و لابد أن أجد متسعا لرسم البحر على الجدار.